بيسان مدينة عربية من أقدم مدن فلسطين وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في 12/5/1948 (رَ: بيسان، معركة – 1948).

أ- الموقع: ساهم الموقع الجغرافي لبيسان مساهمة كبيرة في نشأتها الأولى لأنها نشأت فوق قواعد الحافة الغربية للغور*، وفي سهل بيسان الذي يعد حلقة وصل بين وادي الأردن شرقاً وسهل مرج ابن عامر* غرباً. وتشرف المدينة على ممر ووادي جالود* إحدى البوابات الطبيعية الشرقية لسهل مرج ابن عامر. وتشرف أيضاً على الأجزاء الشمالية من وادي الأردن. ولا غرابة إذا ارتبطت بيسان بشبكة هامة من طرق المواصلات. وقد جذب موقعها الأنظار فكانت محطة تتجمع فيها القوافل التي تسير بين الشام ومصر. وكانت معبراً للغزوات الحربية بينهما أيضاً. وكثيراً ما تعرضت لهجمات البدو المستمرة من الشرق. وكانت تتصدى لهذه الهجمات من خلال موقعها كحارس على خط الدفاع الأول عن المناطق الزراعية الخصيبة في سهل ابن عامر والسهل الساحلي لفلسطين. واستطاعت بيسان بمرور الزمن أن تغري كثيراً من التجار والغزاة بالاستقرار فيها.

وإذا كانت الطرق* قد ساهمت في نشأة بيسان الأولى فإن المدينة أصبحت فيما بعد عاملاً رئيساً في جذب الطريق إليها. وغدت متصلة بالأقاليم المجاورة بشبكة حيوية من الطرق الهامة. فالطريق المعبدة التي تسير بمحاذاة الغور الغربية تربط بيسان بطبرية* على بعد 38 كم في الشمال. وتصلها بالقدس* في الجنوب طريق أخرى تمر بأريحا* طولها 127. وتخرج من بيسان طريق معبدة ثالثة تسير في سهل مرج ابن عامر إلى العفولة* على بعد 27 كم وتمتد حتى حيفا* على بعد 71كم. وتتفرع منها طريقان إحداهما تسير نحو الشمال إلى الناصرة* (41كم)، والثانية تتجه نحو الجنوب إلى جنين* (23كم)، وإلى نابلس* (76كم). وتتصل بيسان بالأردن وسورية بطرق معبدة تتجه شرقاً لتقطع نهر الأردن* عند جسر الشيخ حسين (7.5كم) وجسر دامية في الجنوب (51كم ) وجسر المجامع شمالاً (17كم). وتقع بيسان عند الكيلومتر 59 من خط سكة حديد حيفا – درعا، وبهذا الخط الحديدي تتصل بيسان بسمخ* على الشاطىء الجنوبي الشرقي لبحيرة طبرية* (27كم) ومن ثم تتصل بدرعا ودمشق.

طرأ تحول على التوجه الجغرافي لحركة المواصلات بين بيسان والمناطق المجاورة إثر حرب 1948*، إذ لم يعد موقع بيسان الجغرافي موقعاً مركزياً متوسطاً كما كان في السابق، بل أصبح موقعاً هامشياً تقريباً بعد استيلاء الصهاينة عليها وتعيين خطوط الهدنة عام 1949(رَ: الهدنة الدائمة بين الأردن وإسرائيل، اتفاقية).

ب – الموضع: يجمع الموضع الحالي لبيسان بين مواضع قديمة وأخرى حديثة. أما المواضع القديمة فتتثمل في الخرائب القديمة التي تشتمل عليها بعض التلال المحيطة ببيسان. ففي الجهة الشمالية من بيسان يوجد تل الحصن (-175م)، وتل المصطبة (-150م). وفي الجهة الشمالية الغربية يحيط بالمدينة تل الجسر (-120م)، وتل بصول (-110م). وتل الزهرة (-95م). وتشتمل هذه الخرائب على بقايا الأبنية السكنية والمقابر وأماكن العامة والمسارح والميادين والأسوار.

أما الموضع الحديث للمدينة فإنه يقوم أيضاً على هضبة صغيرة (-150م) تمتد في الغور جنوبي نهر جالود .وتجدر الإشارة إلى أن الموضعين القديم والحديث لبيسان يقومان على تلال من الأرض ترتفع عما حولها من الأراضي المنبسطة داخل غور بيسان. ويعود السبب في ذلك إلى الرغبة في تحاشي أخطار فيضان نهر جالود والابتعاد عن المستنقعات* من جهة، وإلى استغلال الأراضي المنبسطة في الزراعة من جهة أخرى. ولعل انتقال الموضع من الشمال إلى الجنوب استهدف في الأصل درء أخطار الفيضانات والأوبئة عن المدينة، والاستفادة من الأراضي الغورية المجاورة لنهر جالود وقنواته في الزراعة.

نشأت بيسان فوق موضعها الحديث نسبياً في أوائل القرن التاسع عشر. واقتصرت أماكن مبانيها في بداية الأمر على سطح هضبة بيسان التي تمثل أحد المدرجات البحرية الأردنية القديمة. ثم امتد موضع بيسان نتيجة تطور نموها العمراني بعدئذ فضم أجزاء من أقدام الحافة الغربية للغور وأجزاء من أراضي الغور المنبسطة. وتنحدر أرض بيسان بصفة عامة من الغرب إلى الشرق، ويجري نهر جالود أحد روافد نهر الأردن شمالي بيسان، ويمر بين تلي الحصن والمصطبة، كما أنه يغذي بعض برك الأسماك* بالمياه يفرغ له يمر من جنوب بيسان. وتكثر العيون المائية (رَ: عيون الماء) حول المدينة، وهي تساهم مع مياه نهر جالود وفروعه في ري الأراضي الزراعية المجاورة.

ج- المناخ*: يتأثر مناخ بيسان بموقع المدينة في الغور حيث تنخفض أكثر من 150م عن سطح البحر. ويتأثر أيضاً بمواجهة بيسان لفتحة سهل مرج ابن عامر الطبيعية فتصلها مؤثرات البحر المتوسط. يبلغ المتوسط السنوي لدرجة الحرارة في بيسان نحو 21، ويبلغ معدل الرطوبة نحو 58%. وتخفف نسبة الرطوبة القليلة من حدة ارتفاع درجة الحرارة. ولا سيما في فصل الصيف عندما يرتفع متوسط درجة الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية، ويتدنى معدل الرطوبة النسبية إلى ما يقرب 50%. أما في الشتاء فإن متوسط درجة الحرارة الصغرى يبلغ نحو 14 ْ، وقد تهبط أدنى درجة حرارة في شهر كانون الثاني إلى الصفر، مما يضر بالمحاصيل الزراعية.

بلغ متوسط كمية الأمطار السنوية الهاطلة على بيسان بين عامي 1901 و1940 نحو 305مم. وتكفي هذه الكمية من الأمطار لقيام الزراعة* في إقليم بيسان لولا أنها غير منتظمة. ففي موسم 1927/ 1928 كانت كمية الأمطار 149.5مم، وارتفعت إلى 514.4 مم في موسم 1942/ 1943. وبسبب هذا التغير قلقاً مستمراً عند مزراعي المنطقة. لكن اعتماد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية على الري يخفف من وطأة المشكلة.

وتتأثر مدينة بيسان باندفاع الرياح القادمة من الغرب نحوها، ويسبب هذا الاندفاع من المرتفعات نحو المدينة انضغاط الهواء، وارتفاع درجة حرارة الجو، وإثارة الزوابع والأتربة، خاصة بعد الظهر حين تكون الأنسام القادمة من البحر المتوسط قد وصلت إلى منطقة غور بيسان. وتتأثر المدينة أيضاً ببعض الموجات الحارة في فصل الربيع عندما تهب عليها رياح جنوبية شرقية محملة بالأتربة. أما الموجات الباردة فإنها تحدث أحياناً نتيجة هبوب رياح شمالية باردة.

د- النشأة والنمو: يرجع شأن بيسان إلى عصور ما قبل التاريخ، أي إلى أكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد (رَ: العصور القديمة). حملت في العهود الكنعانية اسم بيت شان، وقد يعني هذا الاسم بيت الآله شان أو بيت السكون، وقد أخذ الصهاينة من الكنعانيين التسمية. وبيسان ذات أهمية تجارية وعسكرية وزراعية لوقوعها على الطريق الذي يصلها بشرق الأردن وحوران ودمشق، ولوجودها في غور خصيب تتوفر فيه المياه، ويزرع فيه النخيل والقطن والحبوب وغيرها.

استولى المصريون على بيت شان حوالي عام 1479 ق.م. بقيادة تحتمس الثالث*، وبقيت في قبضتهم ردحاً طويلاً من الزمن حتى أيام رعمسيس الثالث عام 1198 ق.م. ولم يستطيع الصهاينة ضمها رغم محاولاتهم المتكررة. وعلى أسوارها صلب الفلسطينيون* جسد شاول وأولاده بعد قتلهم عام 1004 ق.م. في معركة جلبوع التي حدثت بين الفلسطينيين واليهود. أطلق اليونانيون على بيسان اسم مدينة السكيتيين SCHYTHOPOLIS لأن (السكيت) احتلوها حوالي عام 600 ق.م. واستوطنوها، وهم قبائل من الفرسان المحاربين الذين قدموا من الشمال واستعملهم الفرس الأخمينيون (سكيتوبولس) من أهم المدن الفلسطينية التي انتشرت فيها المدينة اليونانية. وفي العهد الروماني استمرت أهمية بيسان فكانت زعيمة للمدن العشر* (ديكابولس)، وأصبحت مركزاً تجارياً هاماً تمر القوافل التجارية منها في طريقها إلى الأردن. ولا تزال شواهد هذا الازدهار مائلة في بيسان حيث توجد بقايا مدرج روماني قائمة في تل الحصن. ولا تزال قناطر الجسر الروماني فوق سيل الجالود (نهر جالود*). وأصبحت بيسان في العهد البيزنطي عام 325م، مركزاً لأبرشية كان لممثلها في مجمع نيقية الديني دور بارز. ومن آثار هذا العهد التي لا تزال قائمة دير يتألف من ثلاث غرف

وبيسان من أوائل المدن الهامة التي فتحها العرب.

ففي أواخر عام 13هـ/634م حاصر المدينة عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة* وفتحاها صلحاً. وفي رواية أن شرحبيل هو الذي فتحها وحده بعد أن حاصرها أياماً، ولما خرج بعض من فيها لقتال المسلمين قاتلهم وهزمهم ففتحت أبوابها لفرسان المسلمين. وكان لصلح بيسان طابع خاص، فبالإضافة إلى فرض الجزية على رؤوس أهلها والعين (المحصول) على الأرض كان المسلمون يشاطرون أهلها المنازل فيجتمع أهلها في نصف المدينة ويترك النصف الأخر للمسلمين، كذلك حدد موضع المسجد للمسلمين. ومثل ذلك كان من شروط صلح المسلمين في دمشق. وقد بقيت لبيسان شهرة خاصة في تاريخ المسلمين بسبب وجود قبر الصحابي الكبير أبي عبيدة بن الجراح قائد فتوح الشام فيها، وربما يكون فيها أيضاً قبر شرحبيل بن حسنة. وكلاهما توفي في طاعون عمواس المشهور في 18هـ/639م. تردد ذكر بيسان على لسان كثير من الجغرافيين العرب نظراً لأهميتها فذكرها ابن خرداذبة في كتابه “المسالك والممالك” بقوله: “كورة من كور الأردن، وهي على الطريق المؤدية من دمشق إلى الرملة، تقع بين طبرية واللجون”. وذكرها المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم” فقال: ” بيسان على النهر كثيرة النخل، وأرزاز فلسطين والأردن منها، غزيرة المياه رحبة، إلا أن ماءها ثقيل”. ووصفها الوزير الفقيه أبو عبيد بن عبد العزيز البكري الأندلسي (المتوفي سنة 487هـ/1094م) بقوله “بيسان موضعان أحدهما بالشام تنسب إليها الخمر الطيبة، والثانية بالحجاز”. ويذكرها ياقوت في معجمه “بيسان مدينة بالأردن بالغور الشامي، ويقال هي لسان الأرض، وهي بين حوران وفلسطين، وبها عين الفلوس يقال إنها من الجنة، وهي عين فيها ملوحة يسيرة”.

وتحدث عنها الإدريسي (المتوفي عام 560هـ/1165م) بقوله: “أما بيسان فمدينة صغيرة جداً بها نخل كثير، وبنيت فيها السافان التي تعمل منه الحصر السافانية، ولا يوجد نباته إلا بها وليس في سائر الشام شي منه”.

أما الهروي (المتوفي سنة 616هـ/1220م ) فيقول: “مدينة بيسان قيل بها جامع ينسب إلى عمر بن الخطاب*، وبها عين الفلوس قيل هي من جملة العيون الأربع”.

عندما تعرضت بلاد المشرق العربي إلى الهجمة الصليبية خضعت بيسان للإفرنج (رَ: الفرنجة) بعد احتلالهم مدينة القدس. ولكن استطاع العرب استردادها بعد معركة حطين* عام 583هـ/1187م. وفي عام 612هـ/1217م . أعاد الإفرنج احتلال بيسان مرة ثانية (رَ:الفرنجة).

ومن الحوادث الهامة التي ارتبطت بيسان بها في العهد المملوكي أنه بعد موقعة عين جالوت* تتبع الجنود المنتصرة أثر التتار* حتى تلاقوا بهم مرة أخرى في بيسان فكانت موقعة دموية قتل فيها الكثير من التتار وغنم المنتصرون غنائم وافرة. ومنها أن معركة كبيرة حدثت بين المماليك* بقيادة جان بردي الغزالي والجيش العثماني بقيادة سنان باشا انتهت بانكسار المماليك وسقوط بيسان ومنطقتها بأيدي العثمانيين. وفي عام 1812م مر الرحالة بيركهارت بمدينة بيسان ووصفها بما يلي: “إن بيسان تقع على أرض مرتفعة من الجانب الغربي من الغور حيث تنحدر سلسلة الجبال المتاخمة للوادي إلى حد كبير وتكون أرضاً مرتفعة مكشوفة تماماً. كانت المدينة القديمة تروى من نهر يدعى الآن ماء بيسان، وهو يجري في فروع مختلفة باتجاه السهل. تمتد خرائب بيسان إلى مدى واسع والبلدة على طول ضفاف الجدول وفي الأودية التي تشكلها فروعه المتعددة. تضم قرية بيسان الحالية سبعين بيتاً أو ثمانين وسكانها في حالة بؤس شديد وذلك بسبب تعرضهم لأعمال السلب التي يقوم بها عرب الغور رغم أن السكان يدفعون لهم إتاوة فاحشة”.

يبدو أن بيسان عادت إلى الانتعاش والاتساع مرة أخرى في الربع الأول من القرن العشرين، ويقول صاحب كتاب “ولاية بيروت” عن بيسان في الفترة ما بين 1914 و1918: “يقدر عدد بيوت بيسان بحوالي 600 بيت منها عشرون أو خمسة وعشرون للمسيحيين، و15 للصهاينة فقط، والباقي للمسلمين”.

هـ- التنقيبات الأثرية: هناك بعض المواقع الأثرية بالقرب من بيسان منها تل الجسر، وخان الأحمر، وتل المصطبة، وتل الحصن وهو موقع بيسان القديمة (رَ: الخرب والأماكن الأثرية). وقد كانت التنقيبات الأثرية في تل الحصن من أوائل التنقيبات الأثرية بفلسطين. تولت هذه التنقيبات جامعة بنسلفانيا. وقد بدأت في عام 1922 واستمرت حتى عام 1933، وكانت على فترتين، الفترة الأولى من 1922 – 1926 بإشراف فيشر ومشاركة ألن رو والفترة الثانية من 1927 – 1933 وكانت بإشراف فيتزجيرالد، وقد تركز جزء كبير من التنقيبات الأثرية في البداية على قمة التل، إذ تبين أنها تضم معابد منذ العصر البرونزي الوسيط (رَ: العصور القديمة) حتى العصر البيزنطي. وعثر في السويات السبع الأولى التي تم الكشف عنها في الفترة الأولى من التنقيبات على أربعة معابد كنعانية معاصرة لحكم أمينوفيس الثالث وسيتي الأول ورعمسيس الثاني والثالث، وعلى كنيسة بيزنطية. أمكن من خلال مجمل التنقيبات الأثرية تمييز ثماني عشرة سوية عثر فيها على الكثير من اللقى الأثرية إلى جانب المنشآت المعمارية.

من هذه اللقى ختم بابلي أسطواني عليه كتابة مسمارية، ونصب من الحجر الأبيض يمثل الرب رشف. ونصب بازلتي يمثل صراعاً بين الأسد واللبوة، ونموذج لبيت طيني وتوابيت فخارية ومدافن من كل العصور، وعثر بين أنقاض الكنيسة على حلي ذهبية مختلفة منها سلسلة وصفائح وأساور، ومنها مبخرة من البرونز و10 قطع نقود. وعليه يمكن القول إنه من خلال التنقيبات الأثرية أمكن التعرف على أن بيسان سكنت منذ الألف الرابعة قبل الميلاد حتى العهد العربي (رَ: الخرب والأماكن الأثرية).

و- بيسان الحديثة: تطورت بيسان بعد أن مد عام 1905 خط سكة حديد -حيفا – درعا الذي يمر من شمال المدينة (رَ: السكك الحديدية) وسار نمو السكان جنبا إلى جنب مع نمو العمران. فقد زاد عدد السكان نتيجة لاستقرار بعض البدو والتجار في المدينة. إلى جانب الزيادة الطبيعية للسكان الأصليين، وواصل في عام 1914 إلى أكثر من 1.000 نسمة. أما العمران فنما بسبب اهتمام المسؤولين الأتراك قبيل الحرب العالمية الأولى بتنظيم سوق المدينة ومبانيها، وقدر مجموع بيوت بيسان خلال الحرب المذكورة بنحو 600 بيت. وجنح امتداد المباني للابتعاد قليلاً عن نهر جالود وفروعه والاقتراب من أراضي الغور.

بدأت المدينة تزدهر في عهد الانتداب البريطاني لأهمية موقعها وموضعها ولاختيارها مركزاً إداريا لقضاء بيسان. وتجلى ذلك في ازدياد سكان المدينة من 1.914 نسمة ( منهم 41 يهوديا فقط) عام 1922 وإلى 3.101 نسمة (منهم 88 يهودياً) عام 1931، وإلى 5.180 نسمة (منهم 20 يهودياً فقط) عام 1945. وتطورت المدينة عمرانياً نتيجة إنشاء بلدية فيها، وقام المجلس البلدي بتعبيد شوارع بيسان، وغرس فيها أشجار الكينا، وجفف الكثير من مستنقعاتها ليدرأ أخطار مرض الملاريا. ومما يؤكد اهتمام المجلس البلدي بتطوير بيسان زيادة نفقات البلدية من 1.653 جنيها فلسطينياً عام 1927 إلى 8.076 جنيه فلسطيني عام 1944، وزيادة عدد رخص البناء الممنوحة للسكان من 43 رخصة بناء عام 1932 إلى 62 رخصة عام 1940.

وأقيم في بيسان مستوصف بلغ عدد الذين ترددوا عليه للعلاج عام 1944 نحو 6.771 شخصاً منهم 1.218 مصاباً بالملاريا، و1.873 مصاباً بأمراض العيون. وتجدر الإشارة إلى أن المستنقعات الواسعة والمناخ الحار السائد في بيسان، وهبوب العواصف الترابية على المدينة بعد الظهر في كثير من أيام السنة. كانت الأسباب الرئيسة لانتشار مرض الملاريا وأمراض العيون.

تطور التعليم في بيسان فبلغ عدد طلاب مدارس الحكومة في العام الدراسي 1942/ 1943 نحو 366 طالباً، وعدد الطالبات 243 طالبة.

كان يوم 12/5/1948 يوماً أسود في حياة بيسان عندما استولى الصهاينة على المدينة وطردوا سكانها العرب الآمنين من ديارهم. وظلت بيسان مدينة مهجورة طول عام كامل قامت سلطات الاحتلال خلاله بتدميرها وهدم بيوتها، ثم أعادت بناء المدينة بعد أن غيرت معالمها الأثرية والتاريخية، ووطنت مئات العائلات اليهودية فيها. وقد زاد عدد المستوطنين الصهاينة فيها من 1.200 عام 1950 يهودي إلى 10.050 عام 1961، وإلى 12.800 في عام 1966، وإلى 13.500 عام 1968، فيما بلغ 16.100 نسمة عام 2001. أخذ كثير من السكان منذ بداية السبعينات يهاجرون من المدينة لسوء الأحوال الاقتصادية فيها. ونصف سكان بيسان حالياً هم صهاينة مهاجرون من شمال إفريقيا معظمهم من مصر والمغرب ونحو 30% من المستوطنين الصهاينة قدموا من أقطار عربية وإسلامية كإيران والعراق وتركيا. أما باقي المستوطنين الصهاينة فقد قدموا من أوروبا أو ولدوا في فلسطين.

أنشئت في مدينة بيسان عام 1963 مشاريع لجذب السائحين إليها، فأقيم متحف للآثار، وعيدأعيد بناء المدرج الروماني القديم، وأنشئت برك لتربية الأسماك في الجهتين الغربية والشرقية من المدينة تستمد مياهها من أحد فروع نهر جالود المارة بجنوب المدينة. وفي بيسان مولد كهربائي، ومضخة مياه رئيسة، ومصانع للنسيج والمعادن واللدائن (البلاستيك) وصقل الألماس والآلات الكهربائية. بالإضافة إلى مطار صغير على بعد 3كم شمالي بيسان.

ز- وظائف بيسان: كانت الوظيفة الحربية سبب وجود بيسان القديمة التي قامت في موضع تل الحصن، ثم أضيفت إليها الوظيفتان التجارية والزراعية في العهدين الروماني والإسلامي. وفي عهد الانتداب البريطاني كانت بيسان تجمع بين الوظائف الإدارية والتعليمية والزراعية والتجارية والصناعية، وبقيت على هذه الحال في عهد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة.

1) الوظيفة الإدارية: كانت بيسان مركزاً لناحية من نواحي قضاء جنين في زمن الأتراك. ثم جعلت مركزاً لقضاء من أقضية لواء نابلس في أوائل العهد البريطاني، وبعد قليل ألحقت بلواء الجليل (رَ: الإدارة). وقد ضم قضاء بيسان في أواخر الانتداب البريطاني مدينة بيسان وثلاثين قرية، وفيها مضارب القبائل. وكان سكان القضاء الذين قدر عددهم بنحو 23.590 نسمة في عام 1945 يعتمدون على مدينة بيسان كمركز إداري يشتمل على مختلف الدوائر الحكومية المختصة.

2) الوظيفة التعليمية: ضمت بيسان مدرستين للبنين والبنات، وفي عام 1945/ 1946 أخذت في مدرسة البنين صف ثانوي زراعي أول. وكان الطلبة يفدون على هاتين المدرستين من القرى المجاورة.

3) الوظيفة الزراعية: كانت بيسان مدينة زراعية في الدرجة الأولى لوقوعها في قلب سهل بيسان حيث تتوافر المياه وتنبسط الأرض وتخصب التربة. وكانت أهم المحاصيل الزراعية في قضاء بيسان عام 1944 الحنطة (2.214 طناً)، والشعير (2.394 طناً)، والعدس (185 طناً)، والفول (65 طناً)، والحمص (68 طناً)، والذرة (314 طناً)، والسمسم (278 طناً)، والزيتون (120 طناً)، والبطيخ (223 طناً)، والعنب (928 طناً)، والخضر (7.532 طناً). وفي عام 1945 كانت مساحة الأراضي الزراعية المغروسة حمضيات حول بيسان 1.617 دونماً، وأراضي الموز 48 دونماً.

4) الوظيفة التجارية: شجع الموقع الجغرافي لبيسان عند نقطة انقطاع بيئة غورية في الشرق وجبلية في الغرب على ممارسة التجارة. وزاد في أهمية الوظيفة التجارية إنشاء محطة السكة الحديدية في الطرف الشمالي من بيسان، ومرور الطرق المعبدة الرئيسة من قلب المدينة وتجدر الإشارة إلى أن الطريق الطولية لوادي الأردن تتقاطع مع الطريق العرضية التي تربط وادي الأردن بالسهل الساحلي بشكل متعامد في قلب بيسان حيث تمتد السوق الرئيسة للمدينة.

وكانت سوق بيسان تعج بالحركة التجارية، ويجد فيها سكان القرى المجاورة جميع ما يطلبون، ويبيعون فيها ما يجلبونه معهم من منتجات زراعية وحيوانية. إن سهولة المواصلات، وارتباط بيسان بهذه القرى من جهة، وبالمناطق المجاورة في الجليل وسهل مرج ابن عامر وجنين من جهة ثانية، جعلا التجارة مزدهرة، وأعطيا بعداً اقتصادياً هاماً لبيسان.

5) الوظيفة الصناعية: اقتصرت الصناعة* في بيسان على الصناعات التقليدية الخفيفة كمنتجات الألبان، وطحن الحبوب، وعصر الزيتون، والتمر، والحصير، والشعير، والوبر، والصوف، وتجفيف الفواكه. ثم تطورت الصناعة حالياً إلى صناعات النسيج والمدائن (البلاستيك) والمعادن والآلات الكهربائية.

المصدر:
كتاب كي لا ننسى، وليد الخالدي
www.palestineremembered.com