بئر السبع أقدم وأكبر مدن فلسطين التاريخية، وأول مدينة فلسطينية احتلتها القوات البريطانية عام 1917، حكمها العثمانيون قرونا طويلة، وكانت رقما صعبا في الحروب التي شهدتها المنطقة، خاصة الحروب العربية الإسرائيلية نظرا لموقعها الإستراتيجي.
الموقع
يقع قضاء بئر السبع جنوبي فلسطين على بعد 71 كيلومترا جنوب غرب مدينة القدس المحتلة، ويحده من الغرب قضاء غزة، ومن الشرق الأردن وجنوب البحر الميت ووادي عربة، ومن الشمال قضاء الخليل، ومن الجنوب خليج العقبة وشبه جزيرة سيناء.
والقضاء تقسيم إداري سابق في فلسطين التاريخية يعود لفترة الانتداب البريطاني من عام 1920 إلى 1948، ومركز قضاء بئر السبع من حينها مدينة بئر السبع.
ويبلغ عدد قرى منطقة بئر السبع 23 قرية، ثلاث منها مهجرة، وهي الخلصة وترابين وعصلوج، و19 قرية أزيلت، من بينها جبارات وحناجرة والعمارة والعراقيب وغيرها.
السكان
بلغ عدد سكان مدينة بئر السبع 185 ألف نسمة بحسب تعداد العام 2005، الأغلبية الساحقة منهم من اليهود، وذلك بعد تهجير معظم سكانها العرب إثر حرب 1948.
ويقدر بعض المتابعين والأكاديميين عدد سكان بئر السبع حاليا بنحو 200 ألف نسمة، بعضهم فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، وسلبت منهم أغلبية أراضيهم وممتلكاتهم.
وسكان بئر السبع الأصليون هم من القبائل البدوية، وقد هجّروا إلى مخيمات اللجوء في مدينة أريحا ثم إلى الأردن، ويوجد بعضهم في غزة.
ويلبس الرجال في المدينة زيا خاصا، وهو عبارة عن ثوب أبيض وحزام وشماغ، كما يحملون الشبرية (نوع من الخناجر)، فيما ترتدي النساء ثيابا من صنعهن مطرزة بأنسجة مختلفة وبألوان زاهية، كما يخطن البراقع والعباءات والشاش.
وتتميز الألوان ونوعية التطريز الموجودة على لباس النساء المتزوجات عن لباس العازبات وكبيرات السن.
وكان سكان بئر السبع قبل النكبة وتهجير عام 1948 تركيبة من قبائل البدو، أشهرها الترابين والعزازمة والجبارات والجراوين والحناجرة والسعديين، وتعود أصولهم إلى الكنعانيين والفينيقيين.
الاقتصاد
وتعتبر المدينة -التي تمتد على مساحة 84 كيلومترا مربعا- مركزا للتجارة والاتصالات بين تجار القدس والخليل وغزة والمجدل والقبائل البدوية.
وقد شكلت الزراعة النشاط الأساسي للسكان البدو الذين استقروا حول المدينة، إلى جانب ممارستهم تربية المواشي، ويعتبر الشعير والقمح والذرة والعدس والفول أهم المحاصيل الزراعية في المنطقة.
وإلى جانب النشاط الزراعي كانت بئر السبع مركزا للقوافل التجارية في العصور المختلفة، وأصبحت المدينة سوقا يؤمها البدو وتجار الحبوب والمواشي.
وفي المدينة سوق قديمة تسمى “سوق البدو” تعود إلى عصر الدولة العثمانية، بالإضافة إلى محطة قطارات أسسها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لربط أجزاء الإمبراطورية العثمانية ببعضها البعض.
أما الصناعة في المدينة فقد عاشت حقبتين: الأولى قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتميزت ببساطة ومحدودية الوسائل المستعملة، وكانت في أغلبيتها تقليدية كطحن الحبوب ودباغة الجلود وأعمال الحدادة والنسيج.
وتميزت المرحلة الأخرى بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة بإقامة الكثير من المراكز الصناعية المختصة في مواد البناء والصناعات المعدنية والأدوات الصحية والصناعات الكيميائية.
التاريخ
كانت بئر السبع منطقة الاتصال في عهد الهكسوس عندما وحّدوا مصر والشام في القرن السابع قبل الميلاد، وعندما هُزموا وأُخرجوا من مصر تعرضت بعض بلدات بئر السبع للدمار.
كما تعرضت كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى الغزو الآشوري والبابلي والفارسي واليوناني والروماني.
ويقول رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة الدكتور غسان وشاح إن مدينة بئر السبع هي مدينة فلسطينية بناها الكنعانيون الأقحاح، وفق الروايات التاريخية قبل آلاف السنين، وذُكرت في التوراة.
وتتضارب الروايات التاريخية بشأن أصل تسمية المدينة، ويبقى أشهرها قصة النعاج السبع التي قيل إن نبي الله إبراهيم -عليه السلام- أهداها إلى ملك فلسطين آنذاك، وذلك لكي تشهد عليه بأنه هو الذي حفر البئر هناك، وسمي المكان منذ ذلك الوقت بئر السبع.
وفي رواية ثانية تقول بعض المصادر إن أصل التسمية مأخوذ من بئر كان يردها حيوان مفترس (سبع)، في حين أرجعت رواية ثالثة التسمية إلى وجود سبعة آبار للماء في منطقة يخلو ما جاورها من المياه.
وقد كان للطرق التجارية أثر كبير في ازدهار البلاد، وذلك لوقوعها على طرق التجارة العربية، والتي كانت تحمل مختلف أنواع المنتجات الهندية والأفريقية الشرقية وتمر من محطة بئر السبع التجارية وتتجه في ما بعد إلى مصر أو ساحل البحر المتوسط عند غزة.
وعُرفت بئر السبع بعد الفتح الإسلامي ببلدة عمرو بن العاص رضي الله عنه، حيث شيد فيها قصرا له، لكن قلة الأمطار وتحول طرق المواصلات أديا إلى تأخرها.
دخل العثمانيون المدينة عام 1519، ولم يكن لهم حكم مباشر فيها، وبعد حدوث الحرب الأهلية بين بعض القبائل فكر الأتراك في حكم المنطقة بشكل مباشر، وذلك لوقوعها على الحدود مع مصر، حيث كانت تتبع في أوقات مختلفة إلى غزة أو القدس.
وقد أعاد العثمانيون بناءها عام 1900 وجعلوها مركزا لقضاء يحمل اسمها، وأسسوا مجلسا بلديا ودارا للحكومة وثكنة للجنود وخططوا المدينة، كما لعبت في الحرب العالمية الأولى دورا مهما وكانت قاعدة للجيوش العثمانية.
بنى العثمانيون في بئر السبع مسجدا في الفترة بين 1900و1905، وحولته إسرائيل في ما بعد إلى متحف.
وفي عام 1917 احتل البريطانيون بئر السبع، فكانت أول مدينة فلسطينية تحتلها القوات البريطانية، وعدّت المدينة البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر، لذلك كانت محط أنظار الجيوش، خصوصا أثناء الحروب العربية الإسرائيلية.
ويقول الباحث الفلسطيني خالد عوض إن “البريطانيين احتلوا بئر السبع والصحراء الفلسطينية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917، وفي اليوم نفسه أرسل الجنرال إدموند برقية إلى لندن جاء فيها “سقطت بئر السبع، وستكون القدس هديتكم في عيد الميلاد”.
ثم يورد عوض في كتاب نشره في الذكرى المئة لوعد بلفور أن البرقية وصلت في اليوم التالي، أي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1917، وبناء على الوارد فيها أخرج وزير الخارجية آنذاك آرثر جيمس بلفور ورقة من درج مكتبه، وتنفيذا لاتفاق مع بعض قادة الصهاينة قبل أشهر أصدر “وعد بلفور” في اليوم التالي.
وخلال الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 دافع السكان البدو عن مدينتهم في وجه القوات الإسرائيلية، ونظرا للتباين الواضح بين الجانبين على مستوى التجهيز العسكري سقطت المدينة في أيدي الاحتلال يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1948.
المعالم
تمتلك المدينة رصيدا حضاريا مهما بالنظر إلى ما عاشته من أحداث وتوالي دول وحضارات على حكمها. وقد أعلنت منظمة اليونسكو أطلال مدينة بئر السبع القديمة موقعا للتراث العالمي عام 2005، وذلك بعد أن عُثر عليها في حفريات أثرية شمال شرق المدينة.
ومن المعالم التي لا تزال قائمة فيها:
- أطلال المدينة القديمة.
- المسجد الكبير الذي بناه العثمانيون، قبل أن يستخدم مع مطلع خمسينيات القرن الماضي متحفا لتأريخ المدينة.
- “السراي”، وهو مبنى الحاكم العثماني.
- محطة القطار.
المصدر: الجزيرة و Palestine Remembered وأرشيف الصور ل د. شكري حجازي 1907