عيلبون
مارس 30, 2024أبو كشك
مارس 31, 2024الموقع
تعتبر يافا من أهم وأقدم مدن فلسطين التاريخية، وتقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. إلى الجنوب من مصب نهر العوجا* بنحو 7 كم، وإلى الشمال الغربي من مدينة القدس* بنحو 60 كم.
ولموقعها على البحر المتوسط ذي المياه الدافئة والهادئة نسبيا أهمية خاصة. فهي احدى نوافذ وبوابات فلسطين الغربية على البحر المتوسط. وعبرها يتم اتصال فلسطين بدول حوض المتوسط والدول الأوروبية والافريقية والأمريكية. وقد كان ليافا منذ القدم دوراً كبيراً في ربط فلسطين بالعالم فكانت محطة رئيسية تتلاقى فيها بضائع الشرق والغرب، وكانت جسر عبور للقوافل التجارية بين مصر وبلاد الشام لأنها في منتصف السهل الساحلي الفلسطيني* الذي يعد من أكثر الطرق التجارية* يسرا وسهولة وأمنا. وعلاوة على ذلك كان السهل الساحلي معبرا مفضلا للغزوات الحربية والجيوش المتجهة نحو مصر جنوبا، أو نحو بلاد الشام شمالا وشرقا.
أدى افتتاح ميناء يافا عام 1936 إلى ازدهار المدينة ونشاطها الاقتصادي فشهدت حركة تجارية متقطعة النظير. وكانت تخدم ظهيرها القريب الذي يقع خلفها مباشرة ويتمثل في السهل الساحلي الغني بموارده الزراعية والبشرية. وتخدم ظهيرها البعيد المتمثل في الجزء الشرقي من فلسطين وفي بلاد شرق الأردن والعراق.
ومما ساعد على نمو يافا وازدياد نشاطها الاقتصادي كونها عقدة مواصلات برية وبحرية. فطريق السهل الساحلي الرئيسة المعبدة وخط سكة حديد القنطرة – رفح – حيفا يمران بها. وهي ترتبط بالقدس عبر مدينتي اللد* والرملة* بطريق رئيسة معبدة وخط للسكة الحديدية. وتربطها طريق معبدة رئيسة أخرى بئر السبع والخليل* وخليج العقبة*. وكانت ترسو في مينائها مئات البواخر سنويا لشحن البضائع وتفريغها. ولكن الاحتلال الصهيوني ليافا عام 1948 عمد إلى اهمال مينائها إلى أن أغلق نهائيا في تشرين الثاني 1965.
أنشئت مدينة يافا وسط إقليم السهل الساحلي على ربوة ترتفع نحو 32 م عن سطح البحر وتنحدر اليه بشدة وببطء إلى السهول الخصبة المجاورة لها. ويمتاز اقليمها بانبساط أرضه وتربته الخصبة وتوافر مياهه واعتدال مناخه واستقامة ساحله. ولا يستبعد أن تكون الاستقامة ناجمة عن ارتفاع الأرض اليابسة وتراجع مياه البحر. وتتفاوت طبيعة ساحل يافا المستقيم وما بين جروف صخرية ينتصب بعضها فيعلو نحو 35 م عن سطح البحر (حيث موضع مدينة يافا) وشواطىء رملية ضحلة تكتنفها المستنقعات عند مصبات بعض المجاري المائية. ويمتد مياه يافا على ساحل مكشوف تتخلله صخور خطرة تحتم على البواخر أن ترسو بعيدا عنه.
تتألف الأرض التي تقع عليها يافا والمنطقة المحيطة بها من تكوينات الحقبة الرابعة. وقد تجمعت في العصر الحديث من اختلاط الرمال التي تدفعها أمواج البحر المتوسط نحو الشرق بالطمي الذي تنقله الأودية المنحدرة من المرتفعات الجبلية وترسبه في السهل الساحلي. ونشأ من هذا التمازج في المواد الأصلية ما يعرف بتربة البحر المتوسط الحمراء. وتعد هذه التربة* الطفلية لقوامها وتركيبها من أخصب الترب في فلسطين. وهي مساحة لزراعة جميع أنواع المحاصيل الزراعية بصفة عامة، وللحمضيات بصفة خاصة. وتتوافر هذه التربة ميزة التهوية وجودة الصرف.
يجري في أراضي يافا الشمالية نهر العوجا الذي يصب في البحر المتوسط شمالها بنحو 7 كم. ويطلق على مجراه الأدنى قبل مصبه في البحر اسم نهر جريشة. وتمتد على جوانب النهر بساتين الحمضيات الجميلة التي جعلت من هذه البقعة منتزها محليا لسكان يافا يؤمونه في عطل نهاية الأسبوع وأثناء المناسبات والأعياد. وبالاضافة إلى المياه السطحية المتوافرة في نهر العوجا تتوافر في اقليم يافا المياه الجوفية. وقد حفر الأهالي مئات الآبار في أراضيهم الزراعية المجاورة. ولكن الضخ الجائر لمياه الآبار* في أواخر عهد الانتداب عرض بعضها هبوط مستويات مياها وتملحها. وبالرغم من ذلك ظلت المياه الجوفية تتدفق بغزارة وعذوبة وتساهم في تزويد المنطقة بمياه الشرب والري. وتوجد المياه فيها على أعماق مختلفة يزيد معظمها على 20م.
المناخ
تتبع يافا مناخ البحر المتوسط ذا الحرارة المعتدلة نسبيا. وتراوح درجات الحرارة في شهر آب بين حد أدنى قدره 22 وحد أعلة قدره 31درجة مئوية. في حين تراوح درجات الحرارة في شهر كانون بين 8 درجة مئوية و18 درجة مئوية. ويندر أن يحدث الصقيع أو يسقط الثلج في منطقة يافا، الأمر الذي يساعد أشجار الحمضيات على النمو ويحفظها من أخطار الصقيع.
وتهطل أمطار يافا خلال النصف الشتوي من السنة، بين شهري تشرين الأول ونيسان، بسبب ما تتعرض له من منخفضات جوية وأعاصير ورياح غربية.ويتجاوز متوسط كميتها السنوية 500 مم. ولكن الأمطار تتباين بشدة من سنة لأخرى. فقد هطل أعظم متوسط سنوي، وهو 880 مم، في عام 1927/1929، وأدنى متوسط، وهو 308 مم، في عام 1932/1933. ويضاف إلى كمية الأمطار ما يتكاثف من ندى خلال 200 ليلة في كل سنة تقريبا، وتبلغ حصيلة الأرض من ماء هذا الندى قرابة 30مم.
والرطوبة النسبية في مدينة يافا عالية صيفا وشتاء. فمعدلها لكل من آب وكانون الثاني قرابة 73%. وينسب ارتفاع معدل الرطوبة النسبية، ولا سيما في أشهر الصيف. مضايقات شديدة للسكان.
تاريخ مدينة يافا
– تاريخ المدينة القديم (4000- 2500 ق.م.) أصبح ساحل فلسطين في بداية الألف الرابع قبل الميلاد مأهولا بالسكان الذين بدت لهم رابية يافا موقعا مثاليا للاستيطان الدائم لأنها على الطرف الجنوبي للغابات التي كانت تغطي القسم الشمالي من الساحل البحري وراء مجرى نهر العوجا حيث تتوافر الحجارة والأخشاب والمياه المعدنية والغذاء الكافي.
ومنذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بدأت هجرة الموجات السامية من الجزيرة العربية نحو غربي آسيا. ويعود بناء مدينة يافا إلى الموجة الثالثة التي غطت الساحل السوري. وكانت كسائر المدن الكنعانية مملكة بحد ذاتها تألف من قلعة في أعلى الرابية فيها قصر الملك وأماكن العبادة، ومجموعة غير منظمة من البيوت الحجرية الصغيرة على المنحدر باتجاه الساحل تحيط بها سور حجري قوي تدعمه أبراج وله بوابة واحدة.
وإلى جانب الصيد والزراعة ظهرت بعض الصناعات المبكرة في يافا كالغزل والنسيج وعصر الزيت والخمور وصناعة الفخار*. وبدأت بتقدم بناء السفن علاقات التجارة مع مصر وسواحل آسيا الصغرى وجزر بحر ايجة فظهرت تأثيرات الفن المصري والايجي في يافا ومدن الساحل الفلسطيني واستبدل بالحجر النحاس والبرونز المستوردان لصناعة السلاح. ولا يعرف ما اذا كانت الفتوحات السومرية والبابلية في الألف قبل الميلاد قد وصلت جنوبا حتى يافا. ولكن حاكم يافا بعد ذلك يقرون كان يستخدم اللغة البابلية والخط المسماري في رسالته إلى ملك مصر.
– خلال العصر المصري في فلسطين (2500-853 ق.م.): يظن أن يافا أصبحت القاعدة البحرية التي ينتقل اليها الجنود من مصر. وقد ذكرت ضمن 113 مدينة احتلها تحتمس الثالث* (القرن 15 ق.م.). وظلت تحت السيطرة المصرية حتى في فترة غزو الخابيرو* للبلاد ( أوائل القرن 14 ق.م.) فكانت قلعة هامة ومركز حامية مصرية، وكان يحكمها أمير مجلي باسم فرعون مصر.
ازدهرت أحوال يافا بعد انتصار رعمسيس الثاني على الحثيين* (النصف الأول من القرن 13 ق.م.) وعرف عمالها بالمهارة، وأهلها بالغنى، واشتهرت حدائقها بالجمال وجودة الثمار.
تمكنت القبائل العبرانية التي عبرت نهر الأردن* بقيادة بوضع بعد عام 1205 ق.م. من احتلال يافا. وكان اليهود الذين نزلوها بنوا فلم يستطيعوا العيش مع سكان المدينة المتحضرين.
وفي الفترة نفسها ظهر الفلسطينيون على أبواب يافا في طريقهم إلى غزو مصر فاستطاع رعمسيس الثالث أن يهزمهم. وربما يكون قد جمع سفنه عند يافا التي طلبت مركز حامية مصرية ترتبط بمصر مباشرة، ونقطة مراقبة، وقاعدة انزال للقوات عند الضرورة. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين كانوا قد أصبحوا ساميين بلغتهم وعاداتهم وديناتهم فان المدن الساحلية، ومنها يافا، ظلت أكثر تقبلا للتأثيرات الايجية بسبب الصلات التجارية بين هذه المدن وبلاد بحر ايجة وقبرص وكريت.
اشتهرت يافا أواخر القرن التاسع عشر قبل الميلاد بحادث النبي يونس الذي ابتلعه الحوت وقذفه الى الشاطىء شمالها في موقع قد يكون النبي يونس – أو تل يونس – بينها وبين مصب نهر روبين*.
احتل داود يافا والسهل الساحلي في القرن العاشر قبل الميلاد فتحالفت مصر مع دولته الجديدة لحماية حدودها الشمالية من الأشوريين. وعلى الرغم من ذلك ظلت السيادة المصرية على السهل الساحلي قائمة، وعرفت يافا ازدهارا اقتصاديا وسم فترة حكم سليمان.
أيام الحكم الأشوري والبابلي والفارسي (803-332 ق.م.) أخضع سنحاريب الأشوري يافا مع مدن الساحل الفلسطيني وخربها. ثم احتل نبوخذ نصر البابلي فلسطين عام 587 ق.م. وقضى على آخر محاولات ملك مصر لاعادة نفوذ مصر إلى آسيا بدعم من ملك يهودا.
وفي عام 538 ق.م. دخلت فلسطين في حوزة كورش الذي سمح لليهود باعادة بناء الهيكل. وحمل أهل صور وصيدا الأرز من لبنان بطريق البحر فنزلوا يافا حسب الاجازة الممنوحة لهم من كورش.
شهدت يافا في عام 525 ق.م. توقف أسطول قميز من كورش في طريقه لاخضاع مصر. وقد منح قميز ملك صيدا مدينتي دور (الطنطورة*) ويافا تقديرا لخدمات الأسطول الفينيقي. وإلى هذه الفترة من السيادة الصيدونية على يافا يعود بناء معبد الاله الفينيقي أشمون. ثم عادت يافا إلى الادارة الفارسية المباشرة 16 سنة أخرى.
المرحلة اليونانية – الهلنستية في يافا (332 -26 ق.م.): كانت يافا بسبب صلاتها التجارية مع جزر بحر ايجة من أكثر المدن تقبلا للحضارة اليونانية. وقد استوطنها عدد من اليونانيين وأطلقوا عليها اسم جوبي اليوناني. وروت أساطير اليونان أن الأميرة “أندروميدا” كانت موثقة بالسلاسل عند صخور يافا. وقد أنشأ الاسكندر في يافا أول دار لسك النقود* في فلسطين.
تنازع يافا قواد الاسكندر بعد موته عام 323 ق.م. فأصبحت أحد أهم المراكز الهلنستية في فلسطين. وشهدت فترة ازدهار أيام حكم بطليموس ملك مصر لفلسطين (رَ: العصر الهلنستي).
ثم حكم السلوقيون* يافا. وفي أيدهم حدثت ثورة المكابيين ونال اليهود على أثرها نوعا من الاستقلال الذاتي. وقد استعمل جوناثان أخو يهوذا القلاقل الداخلية في المملكة السلوقية كي ينال حق الاشراف على الساحل كله من صور شمالا حتى حدود مصر جنوبا. وقد قاوم أهل يافا التي كانت قاعدة كبرى للعمليات السوقية حكم جوناثان فدخل المدينة مرتين، وأجمل سكانها اليونان – وقوى تحصيناتها، وحسن ميناءها.
حاول السلوقيون استرداد يافا والساحل الفلسطيني (113 ق.م.) فاستنجد المكابيون بالرومان فأعادوا يافا إلى اليهود حلفائهم. وقد أدعى هؤلاء الملك (104 ق.م.) وسكوا النقود التي تحمل صورة مرساة سفينة.
تحت حكم الرومان والبيزنطيين (66 ق.م. – 636م): قضى الرومان على نفوذ المكايين السياسي فأعلنت المدن الساحلية، ومنها يافا ،مدنا حرة لها قدر كبير من الحكم الذاتي. وتعود الى هذه المرحلة قطع النقود التي تحمل صورة أندروميدا وهي تجلس على صخرة وتريف يديها إلى السماء.
وقد كأفا يوليوس قيصر أنتباتر حاكم أدوم وصديق المكابيين على مساعدته اياه في حملته على مصر مجعله حاكما على يهودا (49 ق.م.) وملكه يافا ومنحها امتيازات كثيرة. ثم ثبت مارك أنطونيوس أبناء انتباتر الذين تهودوا على حكم يافا. ولكن هؤلاء الحكام لم يتمكنوا من كسب ولاء سكانها فقام أحدهم، وهو هيرودس، بانشاء مياه قيسارية* لينافس يافا ويكون بديلا عنها.
انتقلت يافا والمدن الساحلية الأخرى إلى حوزة كيلوباترة. وبعد سقوطها أعاد أغسطس قيصر يافا الى هيرودس (30 ق.م.) وبعد موت هيرودس أنهى أغسطس استقلال المناطق اليهودية، وألحقها بولاية سورية ففصلت يافا اداريا عن القدس وأعيد توحيدها مع المدن العشر* الممتازة الساحلية التي تتبع الحكام أو البواب الرومانيين، ومركزهم في قيسارية.
كان سكان يافا من أوائل من اعتنق المسيحية* وكانت المدينة مركز لنشاط الرسول بطرس*. وأصبح الحجاج يأتون اليها فيما بعد لزيارة قبر طابيثا (اسم آرامي معناه غزالة، قرب مقام الشيخ أبو كبير) وبيت سمعان الدباغ (عند جامع الطابية حاليا) وهما مكانان يرتبطان بطرس. وفي هذه المرحلة انتشرت مساكن يافا على مساحات واسعة خارج الأسوار.
غدت يافا مسرحا للحوادث خلال ثورة اليهود ضد روما في القرن الأول الميلادي. وقد استولى الرومان عليها ونهبوها وأحرقوها وقتلوا الكثيرين من يهودها. ثم عاد من نجا منهم إلى خرائبها وانتهزوا الفرصة على السواحل السورية – المصرية. وأعاد الرومان احتلال يافا أيام نيرون (68م) فهدموها وأقاموا معسكر محصنا على رأس رابيتها لمنع اليهود من العودة اليها. وقد سك القادة الرومان في ذكرى أنصارهم نقودا يشير بعضها إلى تحطيم السفن اليهودية في يافا، الأمر الذي يدل على الأهمية العسكرية التي حملت الرومان على احتلالها.
وقعت يافا زمنا قصيرا تحت حكم زنوبيا ملكة تدمر قبل أن يقضي الامبراطور أورليان على نفوذ هذه المملكة عام 273م. ولم يكن لوقوع يافا تحت حكم الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) من أثر يذكر في حياة أهل المدينة ومظهرها سوى ازدياد أهميتها التجارية.
من الفتح العربي الاسلامي إلى حروب الفرنجة الصليبيين (636م-1099م). فتح عمرو بن العاص* يافا عام دخول عمر بن الخطاب* القدس (15هـ/636م)، ويقال فتحها معاوية*. وعاد اليها اسم يافا القديم، وأكملت القبائل العربية التي نزلت فلسطين عملية تعريب سكانها ولغتها. وقد ظلت طوال قرون الحكم العربي من مدن فلسطين الهامة، ومركزا تجاريا رئيسا، ومرفأ لبيت المقدس، وموسى للحجاج. واليها ينسب عدد من الفقهاء ورواة الحديث.
وحين استقل أحمد بن طولون* بمصر على الخلافة العباسية (القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي) دخلت فلسطين في ممتلكاته. وقد بنيت في عهده قلعة يافا وعرف حبها باسم الطابية. ونقل اليها من خماوية بالأسطول قسما من جيشه الذي هزم الخليفة العباسي في معركة الطواحين* (271هـ/885م)، وربما كانت هي الطواحين المقامة على نهر العوجا شمالي يافا. وقد أصبحت يافا في أواخر القرن الثالث الهجري مركزا تجاريا رئيسا لكونها ميناء الرملة عاصمة البلاد آنذاك.
ولما وقع الصدام بين القرابطة* والفاطميين* حكام مصر الذين مدوا سلطانهم حتى دمشق في منتصف القرن الرابع الهجري تراجع الفاطميون واحتموا فحاصرها القرامطة واستولوا عليها. ثم عاد الفاطميون وأخرجوهم منها وقضوا على نفوذهم. ويصف المقدسي يافا في هذه الفترة بأنها “خزانة فلسطين، وفرضة الرملة، وعليها حصن منيع بأبواب محددة، وباب البحر كله حديد”.
وكانت يافا مركزا لتبادل الأسرى على الساحل السوري. وقد أصابها زلزال شديد عام 425هـ/1033م فأحدث فيها خظانا كبيرا (رَ: الزلازل). ولكن ذلك كله لم يمنع نزول الحجاج الأوروبيين فيها تحملهم اليها الأساطيل الايطالية في طريقهم إلى القدس.
ثم حكم السلاجقة فلسطين وفيها يافا (468هـ/1075م) فهدم القائد السلجوقي أتسز من أوق الخوارزمي* سور المدينة. وفي هذه المرحلة من الصراع السلجوقي – الفاطمي وصلت أولى حملات الفرنجة الصليبية.
حروب الفرنجة الصليبية (1099 -1268م): اتبع الفرنجة في سيرهم نحو القدس الطريق الساحلي من أنكاكية حتى يافا ليظلوا على اتصال بالمراكب التي تحمل المؤن والمدد. وبوصول أخبار التقدم الصليبي إلى يافا أخلتها حاميتها من السكان وهدمتها وميناءها لمنع الصليبيين من استخدام قاعدتها. ولم يستطع الأسطول الفاطمي الراسي في قاعدة عسقلان أن يمنع سفن جنوة وبيزا من انزال المؤن والأعتدة في ميناء يافا (رََ: الجنويون) و(رَ: البيازنة). ولما تم استيلاء الفرنجة على القدس عادوا إلى يافا وشرعوا يعيشون بناءها وبناء أسوارها وقلعتها ومينائها. ورجع بعض السكان إلى المدينة واستقر فيها إلى جانبهم عدد كبير من الفرنجة. وحينما أقيمت مملكة القدس اللاتينية* آخر عام 492هـ/1099م جعلت يافا وما جاورها “كونتية” تابعة لها على النمط الاقطاعي. وبعد الاستيلاء عن عسقلان ألحقت بها ودعيت “كونتية يافا وعسقلان”. وقد أعيد تأسيس أسقفية يافا، ومنح غودفري دي بويون سنة 504هـ/1110م أهل بيزا حتى تملك ربع المدينة، ومنح أهل البندقية امتيازات أخرى مقابل مساعداتهم العسكرية، الأمر الذي جعلهم سادة التجارة الخارجية في يافا.
وعادت يافا إلى حكم العرب المسلمين مدة 11 سنة فقط خلال الاحتلال الفرنجي. وقد سعى الصليبيون لصبغها بالصبغة الفرنجة، وظلت المنفذ الوحيد لمملكة القدس اللاتينية. ولما فقد الفرنجة القدس أصبحت عكا الميناء العسكري الرئيس واحتفظت يافا بالمكانة الأولى في التتجارة والحج.
ولما هزم صلاح الدين الصليبية في معركة حطين* (583هـ/1187م) أمر أخاه الملك العادل بالتوجه إلى فلسطين فاستولى على حصن بابا وسار إلى يافا فاستولى عليها. ثم أمر صلاح الدين بهدمها مع غيرها من المراكز الساحلية خوفا من أن يستخدمها الفرنجة بعد استيلاء جيوش الحملة الصليبية الثالثة على عكا بقيادة ريتشارد ملك انكلترا وفيليب أغسطس ملك فرنسا. ودخلها الفرنجة بعد معركة أرسوف الشهيرة (1191م) بين صلاح الدين وريتشارد. فشرع هذا بعيد بناء أسوارها وأبراجها. ثم استطاع صلاح الدين فتحها (588هـ/1196م) فقاد ريتشارد النجدات اليها من عكا. وبدأت آنئذ المفاوضات بين ريتشارد والملك العادل نيابة من صلاح الدين فانتهت بصلح الرملة* (22 شعبان 588هـ/12 أيلول 1196م). ثم استرد الملك العادل يافا (593هـ/1191م) وخربها. ولكنه عاد فتنازل عنها صلحا لجيوش الحملة الصليبية الخامسة (600هـ/1204م). ونزل يافا فريدريك الثاني امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة الذي كان يقود الحملة الصليبية السابعة، وحصنها وعقد مع الملك الكامل صلح يافا* (627هـ/1229م) الذي تملك بموجبه الفرنجة المدينة. وأصلح فريدريك أسوار يافا، وقد تكون قطعة المرمر المنقوشة التي عثر عليها أواخر القرن التاسع عشر عائدا إلى عملية الاصلاح هذه.
نزل يافا عام 650هـ/1252م لويس التاسع بعد خلاصه من الأسر في مصر، وأعاد بناء أسوار المدينة فامتدت إلى البحر، وشيد 24 برجا، وحفر الخنادق حول الأسوار، وأنشأ كنيسة وديرا للفرنسيسكان.
فتح الظاهر بيبرس* أول سلاطين المماليك* يافا عام 667هـ/1268م وأجلى سكانها وهدم أسوارها وقلعتها وبيوتها ليمنع استدامها موقفا لانزال جيوش الفرنجة. وقد ورد ذكر يافا في نص الهدنة بين قلاوون* والفرنجة في عكا عام 681هـ/1283م ضمن البلاد التي يملكها قلاوون باسم “مملكة يافا والرملة”.
في عهد المماليك (667هـ/1268م-962هـ/1516م): لم يدم خراب يافا طويلا. فقد عاد اليها أهلها وعمرت بيوتها وأعيد بناء قلعتها وترميم أسوارها واستأنفت السفن التجارية، ولا سيما الايطالية، الرسو في مينائها. وقد زارها أبو الفداء صاحب حماة عام 722هـ/1331م فوصفها في “تقرير البلدان” بأنها “بلدة صغيرة كثيرة الرخاء ساحلية من الفرض المشهورة. ومدينة يافا كانت حصنا كبير فيه أسواق عامرة ووكلاء التجار وميناء كبير فيه مرسى المراكب الواردة إلى فلسطين والقلعة منها إلى كل بلد”.
لكن السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون أمر بتخريب ميناء يافا عندما وصلته عام 738هـ/1337م أخبار الاستعداد لحملة صليبية جديدة. ويبدو أن مدينة يافا هجرت وأصبحت خرابا في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي. وقد يعزى هذا إلى هجرات البدو، وإلى تخريب أحدثته حملة صليبية قام بها ملك قبرص ونهب فيها الاسكندرية ومدن الساحل السوري. ولم تجر أية محاولة لاعادة بناء المدينة مدة ثلاثة قرون. ولكن الموقع نفسه ظل محط نزول التجار ومكان رسو سفن الحجاج إلى القدس. وكان جند السلطان يقيمون في برجي القلعة المرممين لحماية الحجاج.
من دخول العثمانيين الى خروج ابراهيم باشا (923ه/1517م- 1256ه/1840م. أصبحت باشا،كغيرها من مدن فلسطين، تابعة لولاية دمشق( ر: الادارة).
وظلت على حالها من الخراب والهجر. ولم يترك دخولها في حكم الأمر فجر الدين بن قرقماز المعني الثاني* (980ه/1572م -1045ه/1635م) أثرا عمرانيا فيها سوى أن تكون القلعة والأسوار* قد رممت.وقد أقامت الطوائف المسيحية فيها بيوتا لاستضافة الحجاج في أواسط القرن السابع عشر. وأعاد العثمانيون تحصين المدينة وعززوا حاميتها وحسنوا ميناءها. وقد جذب ذلك اليها التجار من المناطق المجاورة، ولا سيما الرملة،للاقامة فيها فامتدت البيوت على منحدرات الرابية، وتحسنت أحوال المدينة وراجت أسواقها وقصدتها السفن من مصر وأوروبا، واحتل الفرنسيون يمثلهم نائب قنصل تابع لقنصل فرنسا في دمشق المكان الأول في تجارتها، وتلاهم في ذلك الانكليز. وسكن المدينة علاوة على أهلها بعض الأتراك واليونان والفرنسيين. وفي عام 1081هـ/1671م وصلت إلى مينائها الأخشاب التي استخدمت في تجديد سقف كنيسة المهد.
كانت يافا لا تزال بلا سور وتابعة لباشا غزة في مطلع القرن الثامن عشر. وقد بدأ احياء بعض الصناعات فيها كصناعة الصابون وغزل القطن. وفي منتصف هذا القرن شهدت حركة عمرانية، وزادت فيها حركة المسافرين، وورد أول ذكر لبرتقال يافا عام 1165هـ/1751م في كتاب عالم الطبيعة السويدي فريدريك هاسل كويست عن رحلاته إلى الشرق. وقد بلغ عدد بيوت يافا عام 1180هـ/1766م ما بين 400 و500 بيت، وغطت البساتين مساحات واسعة من أراضي المستنقعات* حولها وأصبح لكير من الدول الأوروبية ممثلون فيها.
وصلت إلى يافا عام 1180ه/1766م الحملة التي بعث بها علي بك الكبير* المملوكي حاكم مصر بقيادة محمد أبي الذهب* لمعاونة الشيخ ظاهر العمر* في قتاله والي دمشق العثماني عثمان باشا. وقد دخلها ظاهر العمر وأقام حامية فيها وفتح الطريق أمام جيش أبي الذهب ليتقدما معا نحو دمشق. وبعد فشل هذه الحملة تقوى الفريق الموالي للعثمانيين في يافا وطرد حامية ظاهر العمر واستولى على الأسطول المصري الصغير الموجود في الميناء فقام ظاهر العمر بالاستيلاء على يافا في شباط عام 1187هـ/1773م بعد حصار دام ثمانية شهور وعين علي بك المملوكي الذي كان قد لجأ اليه حاكما عليها.
حاصر أبو الذهب (الذي أصبح حاكم مصر) يافا وفتحها سنة 1189هـ/1775 بعد مجزرة عظيمة ونفى كثيرا من أهلها إلى مصر والرملة . وقد نزل يافا بعدئذ سكان من مصر والمغرب ومختلف المدن الشامية.
استعادت يافا حياتها وازدهارها بعد أقل من عشر سنوات، وان كان ميناؤها ظل محتاجا إلى ترميم وغدت تابعة للوالي في عكا. وقد انسحبت اليها الحامية العثمانية بعد استيلاء جيش نابليون عام 1214م/1799م على غزة والرملة. ثم دخلها الفرنسيون بعد حصار طويل ومقاومة شديدة وعملوا فيها القتل والنهب. وأعدم نابليون 4,000 من حاميتها – كانوا قد اعتصموا بالقلعة – بعد أن أعطاهم الآمان. وجرى التنفيذ في تلال الرمل الواقعة جنوبي غرب المدينة (بقعة الشهداء). وقد فشا الطاعون في جيش نابليون بسبب القتل الكثير. واستمر احتلال نابلون للمدينة ثلاثة شهور. وانتهى بعد أن ألحق بها ولا سيما بياراتها خرابا كبيرا (رَ: الحملة الفرنسية).
أعيد بناء تحصينات يافا. وقب اتمام عملية الترميم حاصرها أحمد الجزار* تسعة أشهر ودخلها. ثم عادت بعد وفاته إلى العثمانيين عام 1221هـ/1806م. وقد تقدمت بعمرانها وثروتها في عهد متسلمها محمد آغا أبو نبوت (1222هـ/1807-1332هـ/1818م)، وبلغ عدد سكانها 6,000 نسمة لم يكن بينهم يهود. وحصنها أبو نبوت فحفر حولها خندقا وأقام سدا على الميناء. وشيد الجامع الكبير المعروف باسمه والحق به مكتبة. وبنى جنوبي الجامع سوقا وسبيلا فوق نبعين عذبين بواجهة رخامية مزينة (لم يبق من السبيل سوى الحوض المرمري بعد أن هدم العثمانيون السوق أثناء الحرب العاملية الأولى). وبنى كذلك سبيلا آخر على طريق القدس بعد البوابة الشرقية بنصف ميل ولا يزال يدعى “سبيل أبي نبوت”.
وإلى ميناء يافا حمل الأسطول المصري بقيادة ابراهيم باشا المدافع والذخيرة والمؤن من الاسكندرية عندما سير محمد علي باشا جيوشه لقتال الدولة العثمانية. وعسكر الجيش المصري في 3 جمادي الثانية 1247هـ/ 9 تشرين الثاني 1831 جنوبي يافا على تلال بينها وبين مقام الشيخ ابراهيم العجمي. وقد أجمع أعيان البلد أمرهم على تسليم المدينة دون مقاومة.
ازدهرت تجارة يافا خلال حكم ابراهيم باشا وكثرت فيها مصانع الصابون والفخار والمدابغ واتسعت بساتينها وبياراتها وبلغ عدد سكانها 15 ألف نسمة. وضمت سفن ابراهيم باشا لحماية للميناء من اعتداء القراصنة الروم. وكان في نية القائد المصري أن يحول (بصة يافا) إلى مرفأ داخلي تصله قناة بالبحر. ولكن المشروع لم ينفذ بسبب اندلاع الثورة في بلاد الشام ضد حكم مصر. وكانت النجدات المصرية تصل بحرا إلى ميناء يافا وتنطلق منها إلى الداخل (رَ: الحكم المصري).
وبعد عودة ابراهيم باشا إلى مصر 1256هـ/1840م بقيت في يافا مئات العائلات المصرية فاستقرت في ضواحيها وأنشأت قرى صغيرة محاطة بالبساتين عرفت الواحدة منها باسم “سكة” ومنها السكة المصرية على الشاطىء غربي المقبرة الاسلامية وسكنة أبو كبير شرقي البلدة القديمة وسكنة حماد شمالي الأول وسكنة الدرويش جنوبي يافا.
النمو والتطور
أكسب الموقع الجغرافي مدينة يافا أهمية سياحية وتجارية وزراعية بالاضافة إلى ما تثيره في الأذهان من ذكريات دينية. وكانت على مر التاريخ معبرا للغزاة والتجار والحجاج، بل كانت بابا لفسطين ومدخلا إلى القدس. فقد تطلعت اليها دول وأقوام كثيرة وحوصرت وفتحت وخربت وأعيد بناؤها مرارا. ويصور تاريخها بشكل عام تاريخ الميلاد بكل دقائقه.
واسم يافا هو تحريف لكلمة “يافي Yafi” الكنعانية أي الجميلة. وقد جاء ذكر الاسم بلفظ “يابو “Ya-Pu أو باللغة البابلية والخط المسماري. وقد عرفها اليهود باسم “يافو Yafo” تحريفا للاسم الكنعاني. وبدل اليونان اسمها فدعوها “جوبيJoppe”. وجاءت “يافا” في بعض الكتب العربية. وأطلق عليها الفرنجة* ايام الحروب الصليبية اسم “جافا Jaffa “.
من النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى الانتداب البريطاني أخذت يافا تنمو بخطوات سريعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فزاد عمرانها وكبرت مساحتها وقدمت اليها جماعة من بيروت تحمل اليها زراعة شجرة التوت، وجماعة “كنيسة المسيح” الأمريكية التي أقامت الضاحية المعروفة باسم “الملكان”- تحريفا لكلمة الأمريكان – عند تلة على طريق نابلس شمالي شرق يافا ثم باعتها إلى “جماعة المعبد” الألمان. وفي أواخر القرن بنى رهبان الفرنسيسكان ديرهم في موقع القلعة (رَ: الرهبانيات). وفي عام 1284هـ/1867م أنشىء طريق يافا – القدس وأقيم عليه عام 1308هـ/1890م خمسة عشر مخفرا لحماية المسافرين والحجاج.
وفي عام 1297هـ/1879م – 1298هـ/ 1880م هدم سور المدينة وملىء الخندق ترابا وحجارة وأقيم فوقه على طول الشاطىء، الشارع الرئيس الذي يصل المدينة بحي العجمي. أخذت يافا تتسع من جهاتها الثلاث فبوشر عام 1304هـ/1886م ببناء حي المنشية شمال المدينة وحي العجمي جنوبها بجوار مقام الشيخ ابراهيم العجمي. وفي عام 1307هـ/1889م نالت شركة فرنسية امتياز انشاء خط سكة حديدية بربط يافا – بالقدس وطوله 87 كم. وقد افتتح الخط رسميا عام 1310هـ/1896م وكان أول خط سكة حديدية في فلسطين (رَ: السكك الحديدية).
ظلت يافا حتى الحرب العالمية الأولى ميناء فلسطين الأول. وكانت السفن تنقل اليها البضائع وتحمل منها ابرتقال والصابون والحبوب وغيرها. واتصف بحاراتها بالجرأة والمهارة في الملاحة في مرفأ معرض للأنواء. وقد بدىء باجراء تحسينات على الميناء ومنحت الحكومة شركة فرنسية امتياز لاقامة ميناءي يافا وحيفا، ولكن المشروع توقف بسبب الحرب. وبلغت قيمة واردات تجارة يافا عام 1332هـ/ 1913م مبلغ 1,312,600 جنيه انكليزي، وقيمة الصادرات 745,400. وكان متوسط السفن التجارية التي رست في الميناء بين 1329هـ/1909م 1332هـ/1913م نحو 668 باخرة سنويا. وبلغ عدد صناديق البرتقال المصدرة منها عام 1330هـ/1911 م نحو 870,000 صندوق ثمنها 217,500 جنيه انكليزي. وكانت مصر أول الأقطار التي تصدر اليها يافا، تليها بريطانيا، فتركيا فروسيا وفرنسا.
كان في يافا إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى خمس وعشرون مدرسة خمس منها رسمية (واحدة رشدية) وعشرون أجنبية ابتدائية. وضم جامعها مكتبة وحلقات تدريس، وكان فيها مطابع، وبلغ عدد صحفها سبعنا أهمها فلسطين (أنشئت سنة 1330هـ/1911م). وصدرت في يافا مجلة الأصمعي* (1327هـ/1908م) وهي المجلة الأولى في فلسطين.
قفز عدد سكان يافا من 23,000 عام 1310هـ/1892م إلى 70,000 قبل الحرب العالمية الأولى – عدا ألوف الزوار والسائحين – فكونت بذلك من أكبر مراكز الألوية ومركزا لقيادة لواء من الجيش. وضمت ألفين من المغاربة الذين يتمتعون بحماية فرنسية لحراسة البساتين، وعددا من الفرنسيين والايطاليين المقيمين لأغارض تجارية وتعليمية.ولم يكن في يافا حتى بداية القرن السابع عشر طائفة يهودية، وكان الحجاج اليهود يمرون بها مرورا في طريقهم إلى القدس. ثم اشترى يهودي عماني – هو اسحق أغيمان – بضعة بيوت عام 1236هـ/1820م باسم طائفة السفارديين في القدس. وفي عام 1246هـ/1830 قدم بعض اليهود من شمالي أفريقيا فشكلوا نواة الطائفة اليهودية في المدينة. وبدأ اليهود يقيمون في يافا لأغارض تجارية بعد عام 1257هـ/1841م اثر تعيين حاخام فيها، وقد قدر عددهم في منتصف القرن التاسع عشر بنحو ثلاثين عائلة. ولكن أعدادا من اليهود الأشكنازيين أخذت تتدفق منذ عام 1298هـ/1882م على منطقة يافا مستفيدة من نظام الامتيازات والاضطهادات الأوروبية لهم. وقد أنشىء فيها بين 1302هـ/1886م 1309هـ/1896م حيان يهوديان هما “نيفي صدق” و”نيفي شالوم”. ويعد تغير نظام الحكم في الدولة العثمانية عام 1327هـ/1909م اشترى الصندوق القومي اليهودي قطعة أرض مساحتها 130,000م2 على الجانب الغربي من طريق نابلس، وعلى بعد نصف ميل من المدينة، وبنى عليها مساكن لستين عائلة فكانت نواة تل أبيب*. ويراوح عدد اليهود المقيمين في يافا قبل الحرب بين ثلاثة وأربعة آلاف. وأما الأجانب منهم فلا تعرف أعدادهم، وقد قدروا بثلاثين ألفا في يافا وجوارها.
ولما دخلت تركيا الحرب رحل عن يافا رعايا دول الحلفاء وقام حسن الجابي قائد موقع المدينة باجراء كثر من التحسينات فيها، فعمر الميناء، وأنشأ شارع جمال باشا عبر البيارات شرقي المدينة، ووسع الشوارع، وأزال سوق أبي نبوت لتسهيل الوصول إلى الميناء، وبنى جامعا في حي المنشية قرب الشاطىء (رَ: حسن بك، مسجد).
ضربت السفن البريطانية والفرنسية يافا مرتين عام 1335هـ/1916م ولكنها لم تحدث فيها تخريبا. وكان العثمانيون يتوقعون انزالا بريطانيا فيها فأخلوها في آذار عام 1326هـ/1917م ونقلوا سجلات الحكومة إلى الرملة والقدس. وتم جلاء العثمانيين التام عن يافا في 15/11/1917 فأحرقت ثكنات الشرطة وحلت الحامية التركية إلى نابلس. وفي 12 جمادي الأولى 1336هـ/ 16 تشرين الثاني دخلت طلائع القوات ابريطانية المدينة.
في عهد الانتداب البريطاني: تطورت باشا خلال فترة الانتداب البريطاني تطورا ملموسا في سكانها وعمرانها. فقد ازداد عدد السكان من 47,709 نسمة عام 1922م إلى 51,866 نسمة عام 1931م، وكانوا يقيمون في 11,304 بيوت. وأضيف اليهم في ذلك التعداد 3,480 نسمة من سكان ضواحي يافا الذين كانوا يقطنون في 655 بيتا. وفي عام 1945م قدر عدد سكان يافا بنحو 66,310 نسمات، وازداد العدد إلى 72,000 نسمة عام 1947.
وواصل العمران نموه وتحسنه أيام الانتداب بسبب ازدياد عدد السكان من جهة وتنوع وظائف المدينة من جهة ثانية. وفي عام 1945 م بلغت مساحة يافا 9,737 دونما. وضمت عدة أحياء هي:
1- البلدة القديمة، ومن أقسامها الطابية والقلعة والنقيب.
2- المنشية، ويقع في الجهة الشمالية من يافا.
3- ارشيد، بين البلدة القديمة وحي المنشية.
4- العجمي، ويقع في الجنوب من يافا.
5- الجبلية، جنوبي حي العجمي.
6- هريش (اهريش)، ويقع في الجهة الشمالية من حي العجمي.
7- النزهة، ويقع شرقي يافا – وقد أنشىء بعد الحرب العالمية الأولى، ويعرف امتداده إلى الجنوب باسم الرياض، وهو أحدث أحياء يافا.
وهناك أحياء تعرف باسم “السكنات” تقع بين بيارات المدينة، ومنها سكته درويش وسكته العراينة وسكتة أبو كبير وسكنة السبيل وسكنة تركي وغيرها.
والبلدة القديمة هي إلى جانب كونها حيا سكنيا، حي الأعمال وفيها شارع اسكندر عوض الذي يكتظ بالمحلات التجارية من جوار دار الحكومة وينتهي عند الطرف الجنوبي من شارع جمال باشا. وأما الأحياء الأخرى فمعظم مبانيها سكنية، وفيها بعض المباني والمنشآت المستعملة للأغراض التجارية والصناعية والادارية والصحية والتعليمية وغيرها.
يتخذ مخطط يافا التنظيمي شكلا مستطيلا تمتد معه المدينة امتدادا طوليا من الشمال إلى الجنوب أكثر من امتدادها العرضي من الغرب إلى الشرق. وتتخذ شبكة الشوارع في المدينة شكل الخطوط المستقيمة المتعامدة تقريبا. وقد قامت البلدة القديمة وبعض الأحياء في بادىء نشأتها فوق الكثبان الرملية. ونشأت السكنات فوق الأراضي الزراعية المحيطة بيافا وتشغلها بيارات الحمضيات. وقد أشرفت بلدية يافا على ادارة المدينة واعمارها فتحت الشوارع الجديدة وعبدتها ووفرت الخدمات والمرافق العامة ومنحت رخص البناء وتعهدت الأسواق والمنشآت. وازدادت نفقات البلدية من 28,880 ج ف. عام 1927 م إلى 193,585 ج ف. عام 1944 م وبلغ عدد رخص البناء التي منحتها للمواطنين في عام 1934 م مثلا نحو 748 رخصة. وفي عام 1944 م نحو 130 رخصة.
13) في 26 نيسان من عام 1948 تعرضت يافا كغيرها من مدن وقرى فلسطين لإعتداءات العصابات الصهيونية في سياق عملية درور، ونتج عن ذلك العدوان تشريد معظم سكانها العرب واستشهاد أكثر من 1,300 عربي (رَ: يافا، معارك).
وقام اليهود بحشر من تبقى من العرب في حي العجمي بالمدينة وأحاطوه بسياج من الأسلاك الشائكة وجعلوا الدخول اليه والخروج منه باذن من السلطة المحتلة. والجدير بالذكر أنه لم يبق في يافا من سكانها العرب في 8/ 11/ 1948 سوى 3,651 عربيا. وقد بلغوا في 21/12/1949 نحو 4,000 عربي، ووصل عددهم في عام 1958م إلى نحو 6,500 عربي. وفي عام 1965م إلى نحو 10,000 عربي. ويقدر عدد سكانها العرب حاليا بنحو 20 ألف نسمة. وقد ألحقت يافا بتل أبيب تحت ادارة موحدة، وتدفق اليها آلاف المهاجرين اليهود. وقدرت المصادر الاسرائيلية بأن عدد سكان يافا وتل أبيب في عام 1983 بنحو 327 ألف نسمة، وفي عام 2001 قدروا بنحو 348 ألف نسمة.
أما عدد اللاجئين من يافا فيبلغ 15% من تعداد اللاجئين الفلسطينيين العالمي، وبلغ عام 1998 حوالي 472,000 لاجئ.
تختلف يافا حاليا عما كانت عليه قبل عام 1948م. فقد تغيرت بنيتها الداخلية وتبدل مظهرها الخارجي وملامحها الحضارية فحل الطراز الأوروبي في البناء والعمارة وتخطيط الشوارع والطرق وأسلوب الحياة على الطراز العربي الذي كان سائدا. ولم يبق من الأحياء التي ترمز إلى تاريخ المدينة سوى الحي العربي القديم الذي انقلب إلى حي للفن والفنانين. وحافظ حي العجمي في جنوب يافا على أوضاعه، ويعيش فيه العرب في بؤس. وبقيت كثير من أجزاء حي المنشية شمال يافا مهدمة منذ أحداث 1948.
البنية الاقتصادية في يافا
تنوع النشاط الاقتصادي في يافا واضحا منذ القدم. فهي مدينة وميناء على البحر المتوسط ونقطة انقطاع بين اليابسة والبحر وملتقى التأثيرات البرية الداخلية القادمة من ظهيرها الخلفي والتأثيرات البحرية الخارجية القادمة من العالم العربي. واذا كان الموقع والموضع قد تضافرا لاحداث التنوع الاقتصادي فان الأخير ساهم في تطور نمو المدينة وازدياد حجمها بمرور الزمن:
1- الزراعة: تحيط بمدينة يافا من معظم جهاتها بساتين الحمضيات وبساتين الفواكه الأخرى والخضر بأنواعها المختلفة. وتزرع الحبوب في مساحات محدودة. وتعتمد الزراعة* على الري من الآبار بصورة رئيسية، وعلى مياه الأمطار بصورة ثانوية. ولقد ازدادت أشجار الحمضيات المغروسة في أراضي يافا قبل الحرب العالمية الأولى ازديادا عظيما فبلغ محصول هذه المدينة منها ما يعادل محصول سورية. واشتهرت يافا ببرتقالها (اليافاوي) الذي يصدر إلى مختلف أجزاء فلسطين والعالم الخارجي. وقد صدر من الحمضيات الفلسطينية في عام 1885م عن طريق ميناء يافا قرابة 106 آلاف صندوق، وارتفع هذا الرقم إلى 251 ألف صندوق في عام 1900م، وإلى 854 ألف صندوق في عام 1910م. وإلى 1,5 مليون صندوق في عام 1914م، وإلى 2,1 مليون صندوق في عام 1925م، وإلى 2,5 مليون صندوق في عام 1930م، وإلى 6,6 مليون صندوق في عام 1935م، وإلى 15,3 مليون صندوق في عام 1939، وهبطت الكمية المصدرة إلى 1,4 مليون صندوق في عام 1945.
2- التجارة: كانت يافا ميناء فلسطين الأول قبل نهوض حيفا وتقدمها عليها في الثلاثينات من هذا القرن. ويتضح هذا الدور الطبيعي بالرجوع إلى عدد البواخر التي رست في موانىء الشاطىء السوري عام 1910م. فقد كان ترتيب ميناء يافا الثاني بعد ميناء بيروت اذ بلغ مجموع البواخر القادمة اليه 707 بواخر والقادمة إلى ميناء بيروت 1,143 باخرة.
وأصبحت ليافا، بنسب أهمية مينائها،أهمية تجارية بارزة. فالى مينائها كانت البواخر والسفن الشراعية تأتي محملة بمختلف البضائع التي تحتاج اليها فلسطين وشرق الأردن من قماش وأخشاب ومواد غذائية وغيرها. وكانت تعود من فلسطين غلى الخارج وعليها خيرات البلاد من برتقال وصابون وحبوب وغيرها.
استمرت أهمية يافا كميناء للتصدير والتوريد حتى أواخر الثلاثينات عندما احتلت حيفا مركز الصدارة في التجارة* الداخلية والخارجية. وبعد عام 1948 م أخذت أهمية ميناء يافا تتقلص إلى أن أغلق نهائيا عام 1965م في وجه السفن – باستثناء مراكب صيد الأسماك الصغيرة – وحل محله ميناء أشدود* الذي يقع على مسافة 30 كم جنوبيه. وقد بوشر ببناء هذا الميناء في عام 1961م وانتهى عام 1965م.
وعلى صعيد التجارة الداخلية كانت يافا خلال فترة الانتداب البريطاني مركز هاما من مراكز التجارة الداخلية في فلسطين. وكانت تعج بالأسواق والمحلات التجارية التي تعرض مختلف البضائع والسلع
ويؤمها بالاضافة إلى سكانها المحليين، كثير من سكان القرى والمدن المجاورة يوميا لبيع منتجاتهم الريفية وشراء ما يحتاجون اليه من سلع متنوعة. ومن أسواق يافا سوق بسترس – اسكندر عوض، وسوق الدير، وسوق الحبوب، وسوق المنشية، وسوق البلابسة، وسوق الاسعاف.
3- الصناعة: دور الصناعة في يافا، ولكنه لا يصل إلى مرتبة الدور الذي للتجارة والزراعة. ففيها معامل للتبغ والبلاط والقرميد وسكب الحديد والنسيج والبسط والورق والزجاج وعدة مصابن ومدابغ ومطابع. وقبيل النكبة أقيم في ظاهرها معمل لغزل القطن. وكانت صناعة طحن الغلال من بين أهم الصناعات الغذائية في يافا.
بلغ عدد المؤسسات الصناعية التي كانت قائمة في يافا قبل عام 1918م نحو 93 مؤسسة. وازداد عددها بعد عام 1918م إلى 166 مؤسسة. وبلغ عدد العاملين في تلك المؤسسات عام 1927م نحو 388 عاملا وبلغت قيمة الأنتاج الصناعي في العام نفسه نحو 591 ألف جنيه فلسطيني.
وقد ازدهرت صناعة صيد الأسماك على شواطىء يافا وكانت تعد من أهم مراكز صيد الأسماك في فلسطين اذا بلغت الكميات المصطادة من مياهها في عام 1930م نحو 3,6 أطنان، وارتفعت إلى 670 طنا في عام 1936م، وإلى 1,056 طنا في عام 1945م. وازدهرت السياحة* في يافا فكانت المدينة محط أنظار السياح الذين يؤمونها من داخل فلسطين وخارجها لمشاهدة الأماكن الأثرية والتاريخية، وللاستجمام فوق شواطئها الجميلة وفي البساتين المحاذية لضفاف نهر العوجا – الجريشة.
4- الثقافة والتعليم: كانت يافا مركز النشاط الثقافي والأدبي في فلسطين. وقد أخرجت مطابعها مجموعات من المكتب في شتى العلوم، وصدرت فيها معظم الصحف الفلسطينية وأهمها فلسطين والدفاع والصراط المستقيم.
ضمت المدينة مختلف المدارس من حكومة وبلدية وخاصة تابعة للجمعيات والمؤسسات والأفراد. وكانت جميعها باشراف ادارة معارف اللواء الجنوبي. وقد كان في يافا العام الدراسي 1947/1948 تسع مدارس حكومة أربع منها للبنين تضم 1,698 طالبا يعلمهم 54 معلما وخمس للبنات عدد طالباتها 1,604 طالبات تعليمهن 45 معلمة. وكان لبلدية سبع مدارس منها مدرسة واحدة للبنات. وكان فيها إلى جانب تلك مدرستان تابعتان لجمعية الشبان المسلمين* وجمعية الاصلاح الاسلامية، وعدد كبير من المدارس الخاصة أو التابعة لمؤسسات وطنية أو أجنبية منها مدارس ثانوية كاملة كانت تقوم بقسط من أعباء التعليم.
المصدر:
مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ج4، ق2، بيروت 1972.
يوسف الحكيم: سورية في العهد العثماني، بيروت 1966.
الأب مرمرجي الدومينكي: نظرة في تاريخ يافا، مجلة المشرق، عددا 10/10/1928، 11/11/1928.
سعيد حمادة: النظام الاقتصادي في فلسطين، بيروت 1939.
مخائيل نقولا الصباغ العكاوي: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبلاد صفد، حريصا، لبنان 1935.
مخائيل بريك الدمشقي: تاريخ الشام 1720-1782، حريصا – لبنان، 1930.
سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية، القاهرة 1963.
عبد الكريم رافق: العرب والعثمانيون 1516-1916، دمشق 1974.
البلاذري: فتوح البلدان، القاهرة 1959، دمشق 1974.
العماد الكاتب الأصفهاني: الفتح القسي في الفتح القدسي، القاهرة 1322هـ.
ياقوت الحموي: معجم البلدان، بيروت 1957.
المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ليدن 1877.
الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة 1297هـ.
Palestine Remembered