مدينة القدس

هي عاصمة فلسطين وأكبر مدنها مساحةً وسكاناً وأكثرها أهمية دينية واقتصادية، أسسها وبناها أجدادنا اليبوسيون في الألفية الخامسة قبل الميلاد، أي مع نهاية العصر الحجري النحاسي. وهي منطقة جبلية تقع بين البحر المتوسط والبحر الميت، وقد نمت وتوسعت المدينة مراراً مع مرور الزمان وتشكلت ثقافتها وتركيبتها السكانية مع تقلّب الحضارات عليها حتى يومنا هذا.

يعكس تاريخ مدينة القدس العريق مكانتها الفريدة في التاريخ الإنساني، حيث تُعتبر القدس مركزًا روحيًا وثقافيًا، إذ تميزت بتنوع الحضارات التي مرت عليها مما ترك آثارًا غنية تعكس عظمة هذا المكان. أما آثارها الغزيرة فهي تدل على إعادة صياغة مستمرة لتاريخ المدينة وتؤكد على أهميتها عبر الزمن. وهي ما تزال حتى يومنا هذا واحدة من أكثر المدن تأثيراً في العالم. وعلى مر التاريخ ساهمت عدة عوامل في جعل مدينة القدس مركزًا حضاريًا وروحيًا فريدًا، أهمها الموقع الجغرافي والمكانية الدينية والتنوع الثقافي.

حيث تقع المدينة في موقع استراتيجي يربط بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما جعلها نقطة التقاء للطرق التجارية والثقافية، وهي تُعتبر مكاناً مقدساً لأصحاب الأديان الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي تحتوي على معالم دينية هامة مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، ما جعلها وجهة للزوار والحجاج على مر العصو، وقد شهدت القدس تواجداً للعديد من الحضارات القديمة المختلفة، بما في ذلك الكنعانيين والرومان والعرب والصليبيين والعثمانيين، وكل حضارة منها تركت بصمتها على المدينة مما أضاف إلى غناها الثقافي والمعماري.

وقد تأثرت مدينة القدس بشكل كبير بالحضارات المختلفة التي مرت عليها عبر التاريخ وتركت بصمة لها على المدينة، مما ساهم في تشكيل وإثراء هويتها الثقافية والمعمارية بما جعلها نقطة التقاء للديانات والثقافات المختلفة عبر العصور، ومن أهم هذه التأثيرات ما أحدثته الحضارة الكنعانية والرومانية والإسلامية والصليبية والعثمانية.

الحضارة الكنعانية: تُعتبر القدس من أقدم المدن في العالم، إذ أسسها الكنعانيون (حوالي 3000 قبل الميلاد) وتركت حضارتهم آثارًا معمارية وثقافية مثل الأسوار القديمة والمعابد، مما يعكس بداية تاريخ المدينة التي اختارها اليبوسيون لتكون مركزاً لهم.

الحضارة الرومانية: بعد الدخول الروماني، شهدت القدس تغييرات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك بناء المعابد والطرق، كما تم تدمير الهيكل الثاني في عام 70 ميلادي مما كان له تأثير عميق على اليهودية.

الحضارة الإسلامية: بعد الدخول الإسلامي في القرن السابع ميلادي، أصبحت القدس مركزًا مهمًا للثقافة الإسلامية، حيث تم بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة في العصر الراشدي الأموي مما أضاف إلى الأهمية الدينية للمدينة، كما شهدت المدينة ازدهارًا ثقافيًا وعلميًا خلال فترة الحكم الإسلامي.

الحملة الصليبية: خلال الحروب الصليبية، استولى الصليبيون على القدس وأقاموا مملكة لهم، وقد تركت هذه الفترة آثارًا معمارية مثل القلاع والكنائس وأثرت بشكل كبير على التركيبة السكانية والثقافية للمدينة.

الحكم العثماني: استمر الحكم العثماني للقدس لأكثر من 400 عام (1517 – 1917)، شهدت خلالها المدينة ازدهارًا ثقافيًا ومعماريًا وتم بناء العديد من المعالم الإسلامية، وقد تم تطوير المدينة بشكل كبير، كما ساهم العثمانيون في الحفاظ على التنوع الثقافي والديني في المدينة.

خلال تاريخها الطويل ونظراً لأهميتها الكبيرة، تعرضت مدينة القدس للتدمير مرتين وحوصرت 23 مرة وهوجمت 52 مرة وتم غزوها وفقدانها مجدداً 44 مرة، وهي إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، وقد جرت العادة على تقسيمها إلى 4 حارات (حارة الأرمن، حارة النصاري، حارة اليهود وحارة المسلمين)، وهي محور الصراع بين الفلسطينيين والمشروع الصهيوني الإحلالي.

في عام 1917 وقعت المدينة وعموم فلسطين تحت الإنتداب البريطاني بعد هزيمة الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، وكان من أبرز سمات هذا العهد زيادة أعداد المهاجرين اليهود إلى المدينة حيث ارتفع عدد سكانها اليهود من 52 ألف إلى 165 ألف نسمة في عام 1948 بفعل الهجرة اليهودية، حيث قامت بريطانيا ببناء أحياء كاملة في شمال وغرب المدينة وأنشأت لهم المؤسسات، وفي عام 1947 قررت الأمم المتحدة جعل مدينتي القدس وبيت لحم مدينتين دوليتين تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة، على أن يجري استفتاء بعد 10 سنوات لسكان المدينة ليقرروا نظام الحكم الذي سينطبق عليهم، إلا أنه وفي العام التالي – 1948 أنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين وسحبت قواتها بعدما مكّنت العصابات الصهيونية من تولي زمام الأمور وسلّمتها كل مقدرات الإنتداب وأسلحته وقمعت المقاومة الفلسطينية واضطهدت الفلسطينيين.

وفي عام 1948 احتلت العصابات الصهيونية الجزء الغربي من مدينة القدس، وفي عام 1967 قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي باحتلال الجزء الشرقي من المدينة الذي كان تحت السيطرة الفعلية للمملكة الأردنية الهاشمية، وفي وقت لاحق في عام 1980 قامت دولة الاحتلال بضم الجزء الشرقي من مدينة القدس بما يخالف القوانين والاتفاقيات والقرارات الدولية واعتبرتها (بشقّيها الشرقي والغربي) عاصمة لها، وفي وقت لاحق (2002 – 2006) قامت دولة الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية وقامت بفصل مدينة القدس ومحيطها عن باقي المدن الفلسطينية التي احتلت معها عام 1967.